الثلاثاء، ١٩ يوليو ٢٠١١

وائل عبد الفتاح يكتب في التحرير: ذكاء النائب العام



براءة…!! نعم كل قتلة المتظاهرين أو أغلبهم سيحصلون على البراءة! لماذا؟

الإجابة عن السؤال الأول سمعتها من ناصر أمين في برنامج إعادة نظر الذي تقدمه جميلة إسماعيل في حلقة خاصة من السويس عن قتلة المتظاهرين.. ناصر لخص ما ورد في تقرير المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة وقال: إن أوامر الإحالة إلى محكمة الجنايات لا تخرج عن التشريعات المصرية التي لا تعرف توصيف جريمة تتعلق بالهجوم المنظم على المتظاهرين.

والحل: تصديق مصر على اتفاقية روما التي وقعت مصر عليها وامتنعت عن التصديق تبعا لسحابات مبارك مع إدارة بوش التي كانت ضد الاتفاقية.

المهم أن اتفاقية روما توصِّف الجرائم ضد الإنسانية، وتعتبر الهجوم على المتظاهرين إحداها، وتكتفي بإثبات نية الهجوم المنظم على مدنيين عزل، ومعرفة الشخص بالهجوم ومشاركته في ضرب النار، صحيح أن العقوبات لا تصل إلى الإعدام، لكنها تحقق العدل على الأقل وتضمن عدم إفلات القتلة.. الاتفاقية وفور التصديق عليها تصبح ضمن القانون المصري ويحكم بها القضاء الوطني في مصر.

هذا الحل يضمن عدم إفلات القتلة ويوفر على القاضي كل أسباب تحقيق العدالة، لأن العدالة ستغيب، سواء اكتفى القاضي بالتشريعات المصرية أو تأثر في حكمه بصوت الشارع وهدير الثورة.. نريد بناء نظام قضائي جديد حر ومستقل ويهدف إلى العدالة لا مزيد.

القانون المصري الحالي، وكما يمكن أن نرى، مصمم للدفاع عن النظام، لا عن حق المجتمع، ولا يعتبر الاعتداء على المتظاهرين أو قتلهم جريمة.

ولهذا فالإحالات تتم وفق القانون الجنائي الذي يحاسب قتلة المتظاهرين بنفس أسلوب وطريقة محاسبة القتل العادي.

وهو ما يعني براءة جميع القتلة، لأن الأدلة غائبة أو من الصعب إثباتها.

لماذا أحال النائب العام قضايا قتل المتظاهرين بهذه الكيفية؟!

أولا.. لأنه لا خيار أمامه، فالتشريعات المصرية لا تنص على عقوبة خاصة بجريمة الاعتداء على المتظاهرين التي تعتبر حسب القانون الدولي جريمة ضد الإنسانية.

وثانيا.. لأن النائب العام وبتركيبته الحالية وحدة في نظام حماية السلطة من المجتمع وليس العكس.. المفروض أن يحمي النائب العام المجتمع ويمثل قوته الضاربة في القانون، لكن أنظمة الاستبداد وجهت قوة النائب العام ضد المجتمع، رغم مقاومة مشهود لها بين القضاة والمستشارين ورغم ذكاء بعض النواب العموميين في إدارة العلاقة بين السلطة والمجتمع بما يوفر للنائب العام استقلالا أو بمعنى أدق حرفية أكثر.. والمستشار عبد المجيد محمود من النوع الذكي في تاريخ النواب العموميين، وشهدت النيابة العامة في عهده استعادة لأرض، اعتدت عليها السلطة التنفيذية (والشرطة خصوصا).

هذه الحرفية كانت أيام مبارك تختار ضحاياها من الصف الثاني من السلطة وأحيانا من الصف الأول، لكنها في النهاية تحمي المصالح العليا للنظام، التي يحركها الرئيس، الذي يختار النائب العام.. اعتمد المجلس العسكري على ذكاء النائب العام الحالي في محاولته الأولى لاستيعاب الثورة.

المجلس اختار المحاكمات وفق مسار النائب العام، وهو نفس المسار الذي حمى مبارك، ومصمم على حماية أي نظام بغض النظر عن خطورته على الدولة والمجتمع.

لماذا النائب العام؟

لأن المجلس ورث من مبارك طريقة في الحكم، يمكن أن نسميها أسلوب الجيل الثالث من الحكام الجنرالات، وهم الموظفون المهرة في ألعاب البيروقراطية.

من هنا لم يعد الاستبداد بالكاريزما الملهمة للزعيم..بل بخبرة الموظفين في الإغراق بالقوانين...استبداد بالقانون..تقول السلطة مثلا: سنسمح بتعدد الأحزاب ثم تقر قانون الأحزاب الذي يلغي فكرة الحزب فعليا ويبقي كيانات كارتونية بلا عمل ولا وظيفة إلا للوكلاء الذين حصلوا على تصريح من النظام بإدارة الدكان السياسي على أن يظل بلا فاعلية.

النائب العام مهم في هذا النظام، خصوصا عندما يكون بذكاء المستشار عبد المجيد محمود وبحرفيته، فهو القادر على تحقيق نوع من توازن، فشل فيه المستشار ماهر عبد الواحد الذي سبقه في الجلوس على مقعد النائب.

إلى أي حد يمكن لذكاء النائب العام أن يستمر؟

by Tahrir News on Tuesday, July 19, 2011 at 9:38am

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق