الاثنين، ١٨ يوليو ٢٠١١

وائل عبد الفتاح يكتب في التحرير: مقعد النائب العام



لندن..!! 

ربما تكون هذه إجابة سؤالي: أين اختفت المحميات السياسية؟
سمعت نميمة كثيرة عن شلة لندن، الهاربين (من أحكام أو من مصير المحاكمة)، أو الخائفين من هوجة التصفيات ما بعد الثورة.

حكى لي زوار لندن حكايات مثيرة عن تحول لندن إلى عاصمة المحميات السياسية، يلتقون كل يوم، ويتحركون كما لو كانوا في مارينا أو شرم الشيخ، النجم المهم منهم يقيم موائد الإفطار الضخمة، وجلسات القهوة تضم عددا من نجوم عاشوا سنوات عزهم تحت حماية نظام مبارك.

أبحث عن تفاصيل جديدة، لا لكي أشبع غريزة النميمة فقط، ولكن لأبحث عن إجابة سؤال: كيف تتكون المحميات السياسية؟ وماذا تفعل عندما تسقط أسوارها؟ وهل يمكن أن تكون هذه المحميات نواة تنظيم موحد يقود الانقلاب على الثورة؟

المحميات السياسية هي ظاهرة ترتبط بالاستبداد، والحكم المطلق، يحمي فيه الرئيس الفرد أو مجموعة مراكز القوى المحيطة به مجموعات من الأشخاص يعملون فوق القانون، يلعبون أدوارا في نظام يقوم على الأسرار، لا أحد يحاسب «الرجل الكبير» القابض على الكرسي العالي، والبلد كله رهن إشارته، والقوانين تتشكل حسب اتجاهات مصالحه.

المحميات السياسية أصبحت إحدى أدوات الحكم في عصر مبارك، أصحاب المحميات نجوم مجتمع، رجال أعمال. حياتهم محط اهتمام الحاسدين أو الطامحين، أو الذين قرروا أن يكتفوا بما حققوه وخافوا من مغامرة الدخول في عالم المحميات فهو عالم خطر وسري ويدار بقانون يملك أسراره رجل واحد وبعض من يمنحهم ثقته.

سؤالي إذن يسير إلى أبعد من النميمة: كيف يُبنى نظام لا يستطيع إنشاء محمياته السياسية؟!

كيف يمكن لمؤسسات الدولة أن تعمل دون ريموت كنترول من الجالس على الكرسي العالي؟

هل يقتصر الأمر على السلطة التنفيذية التي تنفذ أوامر الرئيس ورجاله؟

أم أن الرئيس يستطيع أن يدير سلطات أخرى مثل البرلمان والقضاء، عبر التحكم في «النشأة» و«التأسيس»..؟

الرئيس مثلا يختار النائب العام.

وهذا يعني أن المنصب-ومع الاحترام لمن يجلسون على مقعده- يخضع لمزاج وهوى القرار القادم من القصر، وتوازنات العلاقة بين الحاشية.

في الدول الديمقراطية، النائب العام أحد عمودين تقوم عليهما الدولة (الضرائب هي العمود الثاني)، والمنصب حر، مستقل عن الرئاسة وعن باقي السلطات ويختار صاحبه بالانتخاب وليس بالتعيين.

النائب العام، وحسب قوة شخصيته، يلعب دورا في بناء الأسوار العالية حول النظام، هناك نوعية من النواب العموميين، مذعورين دائما، يستمدون كل قوتهم من التليفونات الساخنة.

وهناك نوعية أخرى، أكثر احترافا، وأقوى شخصية، تؤدي مهمة حماية النظام، لكن بطريقة تبدو أكثر مهنية. وهذا هو سر الرعب من تحويل كل محاكمات ما بعد الثورة إلى مسار النائب العام.

ورغم أن النائب العام الحالي المستشار عبد المجيد محمود من النوعية الثانية (قوي الشخصية ومحترف) فإنه شارك في حماية نظام مبارك، من خلال طبيعة وظيفته وحدود سلطاته وعقلية لا تستطيع الخروج عن فكرة حماية النظام، لا الدولة..الحاكم لا الشعب! المستشار عبد المجيد محمود هو آخر ما يمكن أن يفرزه نظام النيابة العمومية من قدرة على إدارة الملفات الصعبة بذكاء وحرفية …لا أتدخل هنا في نيته، لكنه يعمل وفق خطوط حمراء يضعها القابض على الكرسي العالي.

لا يمكن للنائب العام الحالي أن يتعامل مع متغيرات الثورة إلا بالذكاء..لا أكثر.

ولهذا انزعجت بشدة عندما سمعت أمس ناصر أمين، المحامي، يقول في برنامج «إعادة نظر» الذي تقدمه جميلة إسماعيل: إن كل قتلة الثوار سيحصلون على براءة!

لماذا؟

قال ناصر: لأنه ليس في القانون المصري تهمة يمكنها أن تدين ضباطا قتلوا متظاهرين! والنائب العام أحالهم وفق القانون الجنائي، وهو ما يوفر لهم البراءة!

والسؤال مستمر: هل مهمة النائب العام حماية النظام، أم حماية الدولة؟!

هل مهمته العدالة..أم مجرد التهدئة السياسية؟!

والأسئلة عن النائب العام ودوره ومستقبل المنصب المهم في مصر جديدة…. مستمرة.
  
by Tahrir News on Monday, July 18, 2011 at 9:33am

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق