الخميس، ٢٦ يوليو ٢٠١٢

عالم الأشياء والأشخاص والأفكار


عالم الأشياء والأشخاص والأفكار 


رأى جان بياجييه مؤسس علم النفس الارتقائي من خلال دراسته على أولاده الثلاثة جاكلين ولورانت ولوسيان أن القدرات العقلية عند الطفل تنتقل من المستوى الحسي الحركي إلى المستوى التجريدي، من خلال التطابق بين الكلمة والموضوع أولاً، ثم التمييز بينهما، ليصل في النهاية إلى معالجة عقلية دون الاعتماد على المحسوسات، مما يذكّرنا بقصة حي بن يقظان لفيلسوف الأندلس ابن طفيل. 
ويرى المفكر مالك بن نبي أن نمو الإنسان يمر في طيف من ثلاثة عوالم متداخلة, فينتقل من عالم الأشياء إلى عالم الأشخاص لينتهي في النضج بعالم الأفكار. 


أما عالم النفس (اريكسون ERICCON) فقد وضع نظاماً ثمانياً (OCTAGON) أطلق عليه “أزمات الارتقاء” يتقلب الإنسان فيه بين ثمانية أدوار، كل دور يسلّم إلى الذي بعده، وأول ما يتشكل عند الطفل نظرته إلى العالم هل يدعو إلى الثقة أم الاضطراب, ثم ينتقل إلى المرحلة الثانية فيتشكل عنده مؤشر اليقين مقابل الشك, هكذا يقول اريكسون. 
 والمرحلة الثالثة هي تشكل روح المبادرة أو بعكسها الإحساس بالذنب, ثم يدخل الطفل في تشكل منعكسات خاصة تنمّي عنده روح الدأب مقابل مركب الشعور بالنقص، بعدها يدخل الإنسان مرحلة أزمة الهوية وهي الموازية لسن المراهقة، وبعدها يدخل في مرحلة الشباب الأول حتى سن 35 سنة إما لإنشاء علاقات حميمة وبناء أسرة جيدة أو الفشل والانعزال. 
وبعدها يدخل مرحلة الشباب الوسطى والمتأخرة حتى سن 65 ليكون إما شخصية تميل إلى الانتشار أو بالعكس التقوقع والانكماش, ليختم صيرورة حياته بأحد شعورين مع طيف من الإمكانيات، بين الإحساس بالتكامل والرضا، أو شعور الإحباط واليأس وضياع العمر. 


وفي البيولوجيا لا يبقى مستوى السكر في الدم في لحظتين متتابعتين متشابهاً، وأحداث التاريخ أشد تعقيداً، بسبب وفرة عناصر اللعب في الحادث الواحد، ولكن مستوى السكر في الدم يبقى في حدود مائة ملغرام في الليتر الواحد من الدم يزيد وينقص قليلاً، فإذا زاد دخل المريض في حالة السبات، وإذا نقص دخل الدماغ في الغيبوبة والهذيان، ونقص السكر أخطر من زيادته وقد يكون قاتلاً، إذا لم يتدارك، وحله سهل بقذف أي شراب حلو في فم المريض المسبوت. 


وأحداث التاريخ لا تشبه الواحدة الأخرى في سياق التدفق والصيرورة، ولكن ضمن قانون داخلي خفي محجوب يدفع الحركة إلى مصيرها أو بتعبير القرآن “فهل ينظرون إلا سنة الأولين”. 
والسنّة تعني القانون الرتيب المكرر في عمومه، المختلف في تفصيلاته وتطبيقاته الميدانية، وبذا لا يصبح فرعون شخصاً تاريخياً بل ظاهرة إنسانية مكررة تخضع لقانونها الاجتماعي. 


 ولا ينحصر الشرك في أصنام الحجر والتمر كما كان يفعل أهل قريش، بل يتعمم إلى الوثنية السياسية والعرقية والقبلية والفكرية، وعبَّر عن هذا الفيلسوف محمد إقبال شعراً: تبدل في كل حال مناة.. شاب بنو الدهر وهي فتاة, وحكاها فيلسوف التنوير بيكون بالأوهام الأربعة السوق والمسرح والقبيلة والكهف.


بقلم/ د.خالص جلبي 
الثلاثاء 12 إبريل 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق