الأربعاء، ٢٣ مارس ٢٠١١

«تسقيع» الثورة

 بقلم   محمد البرغوثى    ٢٣/ ٣/ ٢٠١١

ما الذى يحدث فى مصر الآن؟ هل تتناسب الإجراءات البطيئة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة والتصريحات العاطفية لحكومة الدكتور عصام شرف مع توقعات الشعب المصرى من ثورة ٢٥ يناير المجيدة؟ وما هو التقدم الذى حدث فى أى ملف من الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، باستثناء الاستفتاء الذى أنجزت التنظيمات والجماعات الدينية تلفيقه من المنبع؟

لا شىء يحدث فى مصر الآن يختلف عما كان يحدث قبل الثورة، إلا إذا كانت لدينا قوة خفية ترى - نيابة عنا - أن غاية البلاد والعباد من الثورة هى مجرد إزاحة مبارك وابنه من الحكم، والانتقام من بعض رجال جمال مبارك ممثلين فى أحمد عز وقريبه زهير جرانة، وأحمد المغربى وقريبه ياسين منصور، وإلهاء الرأى العام بقصص الفساد التى لم تقطع فيها جهات التحقيق برأى حتى الآن!

ما يحدث الآن فى مصر يدفعنا إلى الإحباط الشديد وإلى الخوف المضاعف على الثورة التى تكالب عليها السلفيون والجهاديون وبعض الأحزاب الكرتونية التى كانت قبل ٢٥ يناير مجرد واجهات تافهة يستند عليها نظام مبارك فى الإيحاء للرأى العام الداخلى والخارجى بأن لدينا حياة ديمقراطية.وخلف غبار التدافع والتكالب على احتواء الثورة توارت ملفات شديدة الأهمية، مثل ملف تغيير قيادات الحكم المحلى ورؤساء الجامعات وعمداء الكليات ورؤساء تحرير الصحف القومية ورؤساء مجالس إدارات الشركات القابضة، والغالبية الكاسحة من هذه القيادات، كما نعرف، احتلت مواقعها دون أدنى استحقاق، وكانت - ومازالت - سبباً فى تخريب مواقع العمل والإنتاج والتعليم والبحث العلمى، والتباطؤ الشديد فى إزاحة هؤلاء «القادة» الذين عملوا بتوجيهات دائمة من مافيا أمن الدولة يمثل أقوى دوافع الاعتصام والتظاهر الفئوى داخل كل المؤسسات والشركات، ويكاد يكون السبب الوحيد لتوقف الإنتاج المنشود، وهو الأمر الذى يهدد باندفاع عربة الاقتصاد كلها نحو حافة هاوية كارثية. لماذا لم تتخذ حكومة الدكتور عصام شرف قراراً واحداً بإقالة رئيس جامعة فاسد، أو رئيس شركة قابضة يمثل وجوده عائقاً أمام عودة العمال للعمل؟ هل صحيح أن مجلس الوزراء لا يملك إصدار مثل هذه القرارات؟ وهل صحيح أن شيئاً مما ينتظره الشعب المصرى لن يحدث إلا إذا قرر المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى انتقلت إليه كل صلاحيات رئيس الجمهورية؟

لا أحد يختلف على أهمية التنسيق والتشاور بين القوات المسلحة ومجلس الوزراء، ولكن هذا البطء القاتل فى اتخاذ قرارات شديدة الأهمية سيدفعنا جميعاً إلى اليأس، ويكفي أن ملفاً شديد الأهمية مثل ملف «الشهداء ومصابى الثورة» لم تتحرك الدولة بشأنه خطوة واحدة إلى الأمام، بل تركته كاملاً للبيروقراطية التى أوصلته إلى ثلاجة الخلاف بين الوزارات المختصة حول «التعريف القانونى للشهيد»، وقد وصل الأمر إلى حد أن النيابات العامة تطلب من أهالى الشهداء والمصابين شهود عيان يؤكدون أنهم ماتوا أثناء التظاهر فى الشوارع والميادين العامة فى الفترة من ٢٥ يناير حتى ١١ فبراير!

وقد سألت عدداً من المسؤولين عن ملف الشهداء والمصابين، فإذا بى أمام حيرة بالغة لدى الجميع حول تعريف من هو الشهيد ومن هو المصاب، وهى حيرة تسببت فى إهانة عميقة لأهالى الشهداء والمصابين.

لهذا كله أتمنى أن يبادر مجلس الوزراء، وبأقصى سرعة، بانتشالنا من هذا البطء القاتل، والبدء فوراً فى تنفيذ جدول إزاحة القيادات التافهة من المؤسسات والشركات.. وإلا سنجد أنفسنا أمام مشهد تسقيع ثورة يناير، الذى يشبه إعادة إنتاج لمشهد تسقيع مصر فى ظل نظام مبارك!

 المصدر: المصري اليوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق