الاثنين، ١٩ سبتمبر ٢٠١١

حقائق لمن يريدها دولة إسلامية

حقائق لمن يريدها دولة إسلامية 

يحاول الإسلاميون، من وقت إلى آخر، إيهامنا أنهم هم أصحاب الحق الأوحد فى تمثيل الإسلام، وهم أبعد ما يكون عن هذا التمثيل. ينادون بالدولة الدينية، ببرنامج هش حول نظام الدولة، وهو لا يُغنى ولا يُسمن من جوع. يلعبون على أوتار الجهل والبسطاء، رغم أن الناظر إلى الحاضر والماضى وفى دول إسلامية كثيرة سيصاب بالدهشة، إلى أن الحلم لا يُمكن أن يصبح حقيقة، بتلك السهولة التى يصورون. فالناظر إلى التاريخ الإسلامي، منذ وفاة الرسول، سيجد اختلاف نُظم الدولة الإسلامية من دولة إلى أُخرى. كما أن هناك حقائق مهمة يجب وأن لا ننساها أو نتخطاها، وإلا وقعنا فى المحظور.

أول تلك الحقائق : ثلاثة من الخلفاء الراشدين الأربعة، ماتوا مقتولين. عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، الذى قال له المرزبان، رسول كسرى: "حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر"، قُتل من قبل أبو لؤلؤة المجوسى، أثناء إمامته لصلاة الفجر، عثمان بن عفان، رضى الله عنه، قُتل من قبل أهل الفتنة، وكان مقتله مقدمة لأكبر فتنة عرفتها الدولة الإسلامية فى ذاك الوقت، على بن أبى طالب، رضى الله عنه، قُتل بيد رجل مُسلم يُدعى عبد الرحمن بن ملجم، حيث ضربه بسيف مسموم على رأسه. وقد بدأت الفتنة فى عصر عثمان بن عفان، رضى الله عنه، واستمرت فى كل عصر على بن أبى طالب. وهؤلاء الخلفاء الثلاثة، هم من المبشرين بالجنة وليسوا من عامة الناس أو ممن يُمكن مقارنتهم بأى شخص يعيش بيننا اليوم، من حيث إسلامهم أو علمهم أو اتصالهم الوثيق برسول الله، صلى الله عليه وسلم. فهل من يتواجدون اليوم، يُمكنهم أن يقونا فتنة أشد مما حدث فى عصر هؤلاء؟

ثانى تلك الحقائق: لقد أسس معاوية بن أبى سفيان الدولة الأموية على أساس نظام الملك أو ما يُسمى بالتوريث. وقد مضت الأمة الإسلامية من بعده على هذا النهج، فى أغلب شئونها، ولم تتكرر مسألة اختيار الخليفة باستخدام الشورى كثيرا، كما حدث فى عهد الخلفاء الراشدين. ورغم أن هذا حدث فى عهد الخلفاء الراشدين، إلا أن اختلافاً كبيراً قد حدث فى هذا الأمر فى عهد على، رضى الله عنه، مما أحدث الفتنة فيما بعد. فمن أين نضمن حدوث الشورى لاختيار من سيحكُم؟ وكيف نضمن أنه لن يحول الأمر بسطوته إلى نظام توريث؟

ثالث تلك الحقائق: قامت حروب بين المسلمين أنفسهم فى بدء الخلافة الإسلامية وصحابة رسول، الله صلى الله عليه وسلم، بين ظهرانيهم، حتى أنه لم يكن هناك احترام لوجود هؤلاء الصحابة، وقتل منهم أشخاص ومُثل بهم من قبل مسلمين. فعبد الملك بن مروان هو من قُتل فى عهده، عبد الله بن الزبير الذى كان خليفة على مكة والحجاز والعراق، فى نفس الوقت الذى كان فيه يزيد بن معاوية ثم معاوية بن يزيد ثم مروان بن الحكم ثم عبد الملك بن مروان خلفاء تتابعاً فى الدولة الأموية التى كانت عاصمتها دمشق. ويجب أن نعرف أن قائد جيش عبد الملك بن مروان الذى قتل ابن الزبير، كان الحجاج بن يوسف الثقفى الذى ضرب الكعبة بالمنجنيق، وأصابها وهدم بعض أجزائها ليقتحم المسجد الحرام فى النهاية ويُمسك بعبد الله بن الزبير. وكان كل هذا فى إطار تصارع على السلطة، بين مسلمين، هم أشد قُرباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الناحية التاريخية.

فكيف لنا أن نضمن عدم الصراع من يريدها دولة دينية إسلامية على السلطة، ثم التحارب وخلق فتنة أشد من فتنٍ سبقت فى تاريخ الإسلام فى المنطقة؟ وأُذكر، أن من نتكلم عنهم أعلاه، أشخاص كانوا قريبين فى المدى الزمنى من دولة الرسول، عليه الصلاة والسلام. ولا ننسى ونحن نتساءل هنا بتلك الأسئلة، أن مصر ليست حماس وفتح، وأن على مقربة منا إسرائيل، وهنا أحب لمن يقرأ أن يزن ما أقول بميزان شديد الدقة! كما يجب ألا ننسى أن حماس وهى جماعة مسلمة تابعة للإخوان المسلمين فى مصر قد حولت غزة إلى معقل للبطش ضد كل المخالفين، وهو ما تشهد عليه الأفلام المبثوثة من غزة، وليس ادعاء رخيص!

رابع تلك الحقائق: عند قيام الدولة العباسية، قام أبو العباس السفاح، بقتل كل من طالته يده من أُمراء بنى أمية، ولو غدراً. حتى أنه أقام ما يُشابه مذبحة المماليك فى قصره، لبعض أمراء بنى أمية الذين دعاهم إلى العشاء، فخرج عليهم السيافون وقتلوهم، ثم ُرش السجاد "عليهم"، وجلس أُمراء بنى العباس "عليهم"، يأكلون ويتسامرون، بينما المقتولين غدراً يتأوهون فى أنفاسهم الأخيرة !! وكانت تلك الوحشية، هى إيذاناً بقيام دولة الخلافة العباسية الإسلامية! وهنا نؤكد على أن الوحشية، لم تخل من الدولة الإسلامية فى بعض عصورها المهمة. فكيف لنا أن نضمن أن مُقيمو الدولة الإسلامية فى مصر، لن تحكمهم ثقافة الكره التى تحكمهم بالفعل اليوم، لدرجة اتهام الناس بما لم يقولوه وتكفيرهم رغم إسلامهم، والوقوف ضد كل مختلف معهم، وليس فقط مع الدولة المصرية؟ ما هى الضمانة، إنهم لن يقتلوا الأقباط والبهائيين، بل والمسلمين من المختلفين معهم؟ بالطبع لا يوجد أى ضمانة لذلك على الإطلاق، وقد ضربت الجمهورية الإسلامية فى إيران مثال واضح على هذا، وهى صديقتهم اليوم، فهنيئاً لهم تلك الصداقة وياويلنا منها، إن وصلوا للحكم والعياذ بالله!!

خامس تلك الحقائق: مرت الدولة العباسية بالكثير من الأحداث المماثلة لما مرت به الدولة الأموية، ولكن كانت نهايتها مؤلمة للغاية، حيث كانت الدولة قد بدأت تتآكل وينفصل الكثير من الإمارات والممالك عنها، ولم يكن لها من الهيبة لكى تقف فى وجه هذا الانفصال، حتى جاء هولاكو خان، غازياً بغداد وفعل فيها ما فعل وقتل الخليفة المستعصم بالله نفسه كما قتل صدام حسين من الأمريكان. فما الذى يضمن لنا عدم تفتت الدولة فى عصرهم، المرتجى منهم وحدهم، أو أن نصل على أيديهم إلى حال مثل تلك التى وصلت إليها العراق فى عصر المستعصم بالله؟ لا شئ يضمن هذا كله بالطبع! ويكفى أن نرى ما يريدون فيما يتعلق بعلاقتنا الخارجية من مقاطعات وقطع علاقات. إنهم يعلنونها حرباً على العالم وهم خارج السلطة اليوم، فما بالكم بما سيحدث وهم داخلها؟ وبالطبع، فان أفغانستان طالبان، شاهدة على مثل تلك الإجراءات، التى يريدون، وهى دولة إسلامية أيضاً بمثل ما يرغبون!

* * *
ما أريد أن أصل إليه هنا، من خلال سرد تلك الحقائق السريعة، هو أن الخلافة الإسلامية لم تكن كلها هى المثل الأعلى المُحتذى. ونحن نتكلم هنا، عن أساطين فى التاريخ الإسلامى وليس عن بعض اللاعبين بالدين هنا أو هناك. والمقارنة بين المتواجدين اليوم، من مستغلى دين وبين الرسول، عليه الصلاة والسلام، غير ممكنة على الإطلاق. كما أن المقارنة بين هؤلاء وبين الخلفاء الراشدين أو من تبعهم، لأمر صعب. كما أن ظروف الأمة، يما فيها من أمور مُعقدة ومشاكل عميقة وخيوط متشابكة، لا يُمكن أن تُقارن حتى بأحلك لحظات الخلافة الإسلامية الماضية، لأن العصور مختلفة بالكامل، وأساليب الحل متباينة وأدوات التعامل متغيرة.

إن ادعاء من يقولون بالدولة الإسلامية ورغبتهم فى بنائها لهو إدعاء كاذب، لأنهم بالإضافة إلى أنهم لا يُمكن مُقارنتهم بمن ذكرت أعلاه، يريدون الدولة الإسلامية فى حد ذاتها فقط، لأنهم لم يتكلموا أبداً من قبل عن حلول وبدائل للمشاكل المتواجدة اليوم. هم دائماً يتكلمون فقط عن شكل ما لنظام يريدونه، ويطلقون عليه إسلاميا، رغم أنه لا يوجد ما يُمكن أن نقول عليه "وحده" بأنه نظام إسلاملاى. وبالتأكيد، ستصبح مصر العلمانية، التى يحكمها العدل والحرية والمساواة بالإضافة إلى حرية العقيدة شديدة القرب إلى الدولة الإسلامية الحديثة، عنها إلى الدولة الإسلامية التقليدية. بل إن الدولة الإسلامية التقليدية التى كان يحكمها معاوية بن أبى سفيان، ليست بقادرة اليوم على مواكبة أوضاع العصر. والثابت، أنه لا يوجد دولة إسلامية ذات شكل واحد راسخ على مر العصور منذ دولة الخلافة الراشدة وحتى اليوم.

كما أن نماذج الدول الإسلامية اليوم، ليست مُشجعة على الإطلاق. وليأت من يريد الدولة إسلامية بنموذج يمكننا أن نستشهد به اليوم، من بين تلك الدول المتواجدة على الساحة، كى نعرف كيف نناقشه، ولكنه لن يجد! فنحن نعرف ما يجرى فى الدول الإسلامية اليوم، والوثائق الدولية متوفرة ومنتشرة إن كان لا يعرف، ويريد الاستمرار فى التضليل. والإسلاميون يعرفون أيضاً، أن المسلم يمارس شعائره فى الدول العلمانية الغربية ويحصل على حقه، بأفضل مما يحصل عليه فى الدول الإسلامية المزعومة، ولكنها المُكابرة التى يستمرون فيها!!

لقد عرضت عرضاً مُختصراً فى هذا المقال، لحقائق معروفة فى الدولة الإسلامية لدى الرعيل الأول ولدى من تبعهم. فإن كان هناك مُكذب فليقل ويكتب. ومن رأى فى نفسه قُدرة على أن يُقيم دولة مثل دولة الرسول، صلى الله عليه وسلم، رغم أن الكثير من الخلفاء من بعده من أعظم من أنجبت الأمة لم يستطع، فليقل لنا من هو وكيف سيقيم دولة لا يحدث بها ما حدث فى دول الأعاظم من الناس فى التاريخ الإسلامى.

من يرد فليتكلم من واقع السيرة الإسلامية وبالتاريخ. وأرجو ألا يُقارن نفسه بأعاظم الرجال لأنه لن يستطع، ولكن ليقل لنا كيف سيقيم دولة فى هذا العصر الإشكالى الكبير، بحيث لن تحدث فيها ما حدث فيما سبق من عصور لم تكن فيها العلاقات الدولية بهذا التعقيد. لقد كان بيدى الخلفاء المذكورين، وملأ كيانهم، كتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، وحدث ما حدث. فما الضمانة ألا يتكرر ما حدث من قبل من لم يعاصر رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟!


شريف حافظ
 الخميس، 3 سبتمبر 2009 - 11:13
 
للمقال بقية ان شاء الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق