الأحد، ١٨ سبتمبر ٢٠١١

نصف ثورة مصر ، كيفية الخروج من المأزق


نصف ثورة مصر
كيفية الخروج من المأزق

هذا المقال موجه بشكل رئيسي للقوى الثورية غير المسيسه والتي تؤمن بضرورة التغيير الجذري وبناء مصر الجديده
هذا التحليل انما هو من بنات أفكاري ولا يعبر الا عن وجهة نظري المتواضعه

بادئ ذي بدء، هل الثورة المصرية في مأزق؟ والاجابة نعم، حيث أن الثوره المصريه بكل ما فيها من ايجابيات وروعه الا أنها تحولت لنصف ثوره، فلا هي فشلت وعادت الأمور لما كانت عليه وبالتالي امكانية عمل ثوره جديدة، ولا هي حققت جل ما أرادت وحلمت. فالثوره خلعت رأس النظام وتسببت في هزة عنيفة للداخلية المصرية كما حركت الكثير من الدعاوى القضائيه ضد كثيرون من النظام السابق، ولكن بقى النظام (كمنظومه سياسية اداريه في الدوله) على حاله دون تغيير بل ويقاوم هذا التغيير بكل عنف مع عناصر أخرى. وأنا هنا أتكلم عن الوقائع التي حدثت وليس الأماني أو الوعود بما فيها الانتخابات التي نحلم بأن تكون نزيهه.

أولاً العناصر الفاعلة في الأزمة:

وهي الفصائل المكونة للشعب المصري الآن من وجهة النظر السياسية والتي تؤثر في نجاح أو فشل الثورة وبالتالي الخروج أو البقاء في هذا المأزق

1.    العنصر الشعبي، وهم الشعب المصري غير المسيس أو الغير مشترك في أحزاب أو جماعات أو كيانات سياسية أو تنظيميه، وهو العنصر الذي يضم في داخله العديد من الفصائل فمنه ذي الطابع الثوري ومنهم من المحافظين الاصلاحيين ومنهم الصامتون الغير معنيون بالأمر كله ومنهم من تعارضت مصالحه مع هذه الثوره وتضرر منها دون أن يكون مشاركا في مضادات الثورة أو الثورة المضاده ومنهم من لايعي ولا يدرك أياً مما سبق وهم الأخطر على هذه الثوره
2.    النخبة السياسية، وهم الأحزاب والحركات والكيانات السياسية المنظمة وهي أيضاً منقسمة الى عدة فصائل فمنهم الديني (ولا أقول الاسلامي فكلنا مسلمون) ومنهم ضد الديني (ولا أقول العلماني) ومنهم الليبرالي ومنهم اليساري ومنهم القومي الناصري. واحقاقاً للحق فهذا العنصر هو من أهم عناصر الثورة تأثيراً في الخروج من الأزمة أو البقاء فيها
3.    مضاد الثورة أو الثوره المضاده (والأخير مصطلح خاطئ)، وهم لسؤ حظ الثوره متفقون (على الأقل حالياً) عكس العنصرين الأول والثاني الأهم بين العناصر، وهم من تضرروا من هذه الثورة من النظام السابق وفلوله من رجال دوله أو رجال أعمال فاسدون أو شرطة أو غيرهم ممن تأثروا سلباً بهذه الثورة. ويختلف هذا العنصر عن من ذكرناه كفصيل في العنصر الأول في أنه يمتلك قوة فاعله وارادة لافشال الثوره وضربها بكل القوى المتاحه
4.    النظام الحالي، وهم المجلس العسكري والجيش والحكومة ومنظومة النظام الحالي الذي يملك ادارة البلاد في الوقت الراهن وهم أيضاً متفقون وقلما تجد منهم ثورياً أو مؤيداً للثوره بكل عناصرها
5.    المجتمع الدولي، وهي مجموعة الدول الأجنبية أو المنظمات الدولية التي تملك قوة التأثير في الثورة مثل أمريكا واسرائيل والاتحاد الأوروبي وتركيا والسعودية وغيرهم، ومثل صندوق النقد والأمم المتحده ومنظمات حقوق الانسان الدوليه وغيرهم. وكما هو الحال في العناصر السابقة فيختلف توجه كل فصيل في هذا العناصر بين مؤيد ومعارض وفاعل ومتضرر وهكذا

ثانياً عناصر مسببة للأزمة أو تزيدها تعقيداً:

1.    مضاد الثورة أو الثورة المضادة
2.    النظام الحالي وتوجهه الاصلاحي المحافظ دون اتباع منهج ثوري واحداث تغيير جذري. ومازاد في الأمر منهج وثوابت القوات المسلحة التي تدير البلاد حالياً من انتظام ونظام وبيروقراطية وعدم اعتيادهم على سماع وجهات النظر الأخرى بسبب تدريباتهم منذ الصغر على اصدار الأوامر وتحمل مسؤولياتها أو الطاعة في تنفيذ تلك الأوامر حتى لو خالفت وجهة نظر المتلقي
3.    اختلاف النخبة السياسية وحالة الاستقطاب السياسي للفوز بأكبر قدر من المكاسب السياسية في الفتره القادمه (وللحق فان أول من بدأ في هذا هم الاخوان المسلمين لأسباب ستذكر لاحقاً وان كانت وجيهه). وبالتالي أصبحت النخبة مفككة غير متفقه على أمر واحد وهو مايستغله النظام الحالي الذي يدير البلاد في الانفراد بالقرارات بحجة أن النخبة لم تتفق ولن تتفق
4.    نقص الوعي لدى الشعب المصري نتيجة التجريف السياسي والتعليمي وحتى في التفكير المنطقي الذي تعمد النظام السابق احداثه في هذا الشعب على مر 60 عاماً، وبالتالي أصبحت فصائل هذا العنصر المذكوره سابقاً تتجه في أمواج متفرقه تجاه بعض النخب تأيداً دون وعي أو منطق أو تجاه النظام الحالي بحجة الرغبة في الاستقرار أو تجاه الثورة المضاده لتلاقي مصالحه مع مصلحة هذه الثورة المضاده حتى وان كانت غير فاعله فيه
5.    الحالة الاقتصادية المتدنيه وانفلات الأسعار والانفلات الأمني كلها تصب في غير صالح الثوره، ولكن على الجانب الآخر سببت الأزمة الاقتصادية المتوارثه عن النظام السابق مع الفقر وقلة الدخول موجه جديدة متوافقه مع الثوره (ولا أقول أنها ثوريه ولكن متوافقه فقط) وهي موجة الاضرابات والاعتصامات وما يسمى بالمطالب الفئوية على أساس أنها من سببت الثورة في بداياتها وهي من أعطت زخما ثوريا لها وتسببت في نجاحاتها الأولية وبالتالي تفرغ كل منهم الى مطالبه التي بسببها نزل مع الثوار الذين يطالبون بالتغيير الجذري والحرية والكرامة ثم انفضوا لاضراباتهم واعتصاماتهم كنتيجة طبيعية لوقوفهم مع الثورة وانتظاراً لحصد مطالبهم المشروعه والصعبة التحقيق في الوقت الراهن احقاقاً للحق أيضاً
6.    ضغوط المجتمع الدولي (ومعظمها مضاد للثوره الا قليلاً) على النظام الحالي ودعم بعضها لنخب حاليه من أجل افشال هذه الثوره

ثالثاً الأمر الواقع:

1.    الواقع الآن واحقاقاً للحق وبسبب كل ماسبق، أن القوى الثورية الشعبية غير المسيسة والتي تسببت وقامت بالثورة لم تعد قادره على الحشد لثورة جديدة وهو أمر واضح وظاهر في كل المحاولات السابقة سواء مليونيات أو اعتصامات في التحرير أو فعاليات مختلفه
2.    المجلس العسكري الذي يدير البلاد يمثل الجيش برغم كل المحاولات لاعادة تصنيفه كمدير للبلاد يقوم بعمل سياسي قابل للنقد، ولكن الواقع أظهر صعوبة هذا الفصل. كما أن الحشد لثورة جديدة قد يقابل بالرفض حتى من بعض القوى الثوريه على أساس أن أي ثوره جديده هي ثوره على الجيش نتيجة عدم القدره على التمييز بين المجلس العسكري كسياسي وممثلاً للجيش المصري العظيم، وبالتالي أصبح الأمر أكثر حساسية كما قد يكون أكثر عنفاً ودموية مما حدث خلال الـ 18 يوماً العظيمه
3.    مجموعة المصالح المتابينة ولكن المتشابكه للنظام الحالي والسابق وقوى الثورة المضاده أقوى تأثيراً وفعالية من تلك التي يملكها الثوار سواء على الشعب أو على النخب، فالشعب سيحب ويؤيد من يعطيه ما يحتاجه من أمن واقتصاد واستقرار حتى لو كانت الشرطة هي من سيفعل ذلك، أما الثوار فلا يعطون الشعب الا مزيداً من الانفلات والفقر والكثير من المعاناة والألم (حتى لو كان ذلك من أجل مصر الجميله الحرة) أما النخب فهي فاعل وليس مفعولاً به كما هو دورها في عملية الاستقطاب
4.    أسوء ما في الأمر الواقع هو أننا مقبلون على انتخابات برلمانية أقل ما توصف به أنها كارثية، ولن تنتج الا واحد من نظامين، اما عودة الوطني مع قلة من الاخوان والدينيين وعودة الى نظام 2005 وهو غاية طموح المجلس العسكري أو (اذا ماتحقق الغدر واقصاء الوطني) مجلس من الدينيين والاخوان الذين قد يحولون مصر في هذه المرحلة الخطيره الى أفغانستان جديده أو ايران على أقل تقدير مما قد يتسبب في مشكلة ومواجهة ضخمة بين مصر من جهه وأمريكا وحلفاؤها من جهة أخرى وهو الأمر الذي لا تحتمله مصر في الوقت الراهن على الأقل. وبكل الأحوال فلن تزيد نسبة الثوريون سواء المسيسون أو غير المسيسون عن 5% من هذا المجلس في أفضل الحالات

رابعاً هل من حل وكيف نخرج من هذا المأزق؟

قبل البدء في هذه المرحلة من هذا المقال المتشائم في معظمه، أحب أن أنوه على أن ارادة الله كانت هي العامل الأول والمؤثر الأكبر في نجاح الثوره في بداياتها كما أن طبيعة الشعب المصري عودتنا على المفاجآت وأن لا شئ متوقع بشكل مؤكد، وهو ماقد يحمل الحل بكل سهوله ودون فسلسفة وسفسطة من كاتب هذه الكلمات.
أما عن ما جال بخاطري من حلول لهذا المأزق وهو مأرغب في أن تناقشوني فيه وتفندوه لي هو كالتالي (بفرض فشل فكرة الانتخابات بشكلها الحالي):

1.    أولاً وقبل كل شئ توحد القوى الثوريه غير المسيسة والتي تتفق على مبدأ التغيير الجذري وتحلم بمصر الجديدة وهو أمر غير قابل للمناقشة في رأي وتبنى عليه كل المقترحات القادمة، وبالتالي عمل ما يشبه الجمعية أو التنظيم العلني (وليس السري) بعيداً عن الكلمات التي استهلكت في الفترة السابقة كالائتلاف أو الحركة أو غيرها من مسميات تم ضرب معانيها بعرض الحائط، والاسم مهم ويجب أن يكون جديداً وملهماً لجذب أكبر قدر من العناصر السابق ذكرها، كما على هذه المجموعة أن تواصل ايمانها بالتغيير السلمي بعيداً عن أي عنف أو تخوين وتتعامل مع كل العناصر على انها عناصر وطنيه حتى وان كانت تغلب مصالحها على مصلحة الكل، فالجميع يرى أن مصلحة الوطن هي في وصوله الى سدة الحكم.
2.    يجب اختيار شخصية مصريه خالصه وطنيه وثوريه محبه للوطن والأهم يحبها الموطن أو متوقع أن يحبها الموطن، تماماً مثل ما قامت به الجمعية الوطنية للتغير عندما اختارت د. محمد البرادعي لاحداث التغيير ولكي تلتف العناصر حوله. والبرادعي هنا (برغم جبي الشديد له وتقديري لدوره العظيم) الا انه لم يعد البديل المطروح، كما أن الشائعات والضباب الذي أحدث عمداً على شخصية البرادعي سواء من النظام السابق أو من المنافسين المحتملين له أو معارضيه قد لا تحدث التأثير المطلوب، وتحمل هوه دون غيره من المرشحين الحاليين معظم عبء هذه الشائعات والضباب لأنه أول من بدأ منهم، كما أن كل محاولات الرد على هذه الشائعات قد باءت بالفشل الجزئي على الأقل. هذه الشخصية المطلوبة يجب أن تكون على مسافة واحدة من كل العناصر والأطياف وبخاصة النخب، كما يجب أن يكون لها سجلاً حافلاً ونظيفاً ووطنياً. هذه الشخصية (على فرض قبولها لهذا الدور) يجب أن تكون هي المتحدث الرسمي والوحيد لهذه المجموعه
3.    أول العناصر التي يجب التعامل معها وبقوة وتركيز هي عنصر النخبة والقوى السياسية، وهذه يجب التأثير عليها لاحداث أكبر عملية توافق وتوحيد للصف مرة أخرى وذلك بوضع تصور عام لشكل الدولة والدستور بشرط ألا يكون متأثراً بالنظم الغربية وهو ما يسبب الحساسية والحرج لجماعة الاخوان ويسبب الاعتراض صراحة من السلفيين (وللحق مرة أخرى فهما القوتان الأكثر تأثيراً حاليا في المواطن المصري)، فهم يرون أن النوذج الغربي نموذج كافر ولا يجب العمل به، وهو أيضاً ماجعلهم في حالة السعار الحالي للوصول للحكم ليس هدفاً ولكن وسيلة لارساء دولة الاسلام وارضاء لربهم من وجهة نظرهم. وهو أمر قد يكون مفهوماً ولكن ليس مقبولاً لأن هناك ما يسمى بالحداثة وتحديث النظم القديمة التي لم ينص عليها شرع الله وتركها لولاة الأمر. وهو ماتمسكوا هم به على أساس أن ولاة الأمر منذ 1400 عام أقروا نظم ما بطريقة ما ويجب على كل المسلمين اتباعها دون تحديث. وهذا التصور يجب أن يجمع مابين النظام الديموقراطي الرأسمالي والاشتراكي والليبرالي والأهم أن يدمج مع النظام الاسلامي في الحكم، وهو تصور ليس مستحيلاً ويمكن عمله بمنتهى السهولة بوضع مبادئ وشكل كل نظام وفصل مميزاته عن عيوبه وجمع كل المميزات واستبعاد كل العيوب أو أكثرها تأثيراً في هذه النخب.
4.    وضع برنامج وتصور شامل وتفصيلي يجمع جموع وعناصر الشعب المصري على قلب رجل واحد فيما يخص النظم الاقتصادية والعمل والخدمات وغيرها من أشياء يسهل عملها وتحقيقها ويحبها هذا الشعب الذي تعرض لكل أشكال القهر والظلم والفقر
5.    وضع برنامج تفصيلي لعمل مصالحة شامله من أعضاء النظام السابق وفلوله وثورته المضاده، ويشمل الشرطة والمحليات ورجال الأعمال والتغاضي عن كل ماحدث منهم من تجاوزات ولكن بشروط محدده منها على سبيل المثال عدم التغاضي عمن قام بجرائم قتل أو جرائم فساد كبيره أثرت على الرأي العام مثل حادث العباره مثلاً وليس حصراً، والتغاضي حتى عن أي أموال أو أراضي أخذت دون وجه حق، مقابل دعم الحركة والابتعاد عن الثورة المضاده، واعطائهم الضمانات الكافية لذلك مقابل (على سبيل المثال فقط) أخذ الضمانات الكافيه منهم بعدم التعاون مع الثورة المضادة وعدم الدخول في العمل السياسي لفتره محدده وقصيره. وأعرف أن كثير منكم سيعترض على هذه النقطة بل قد يثور علي أنا، ولكن أقول لهم انه بجانب الواقع وماتم استعراضه سابقاً وأيضاً مقابل مصر جديده وتغيير جذري قد يهون كل شئ حتى لو كان براجماتي ووصولي مثل طرحي في هذه النقطة، كما أن المتوقع استرداده أو عمله لهذه العناصر قد يصل الى صفراً كبيراً. هذه هو ما أسميه ثوره مضاده ضد الثورة المضاده وتفريقها وتمزيقها لصالح هذا البلد
6.    بكل ماسبق تستطيع الحركة أن تحشد الدعم الكامل "سلميا" ضد العنصران الباقيان وهما النظام الحالي والضغوط الخارجيه لتحقيق هدفها نحو تغيير جذري ومصر الجديده كما رأيناها في أحلامنا

قد يكون هذا التصور حالماً أكثر من اللازم وقد يكون خاطئاً ومن المؤكد أنه يحتاج لكثير من العمل والجهد، ولكني واثق من أنه قد يكون نواه لفكره جديده أو تصور آخر، وأنتظر تعليقاتكم وآرائكم والأهم نقدكم وتصوراتكم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق