أخيرا تمخض جبل الدكتور عصام شرف، فاستولد حكومته المعدلة الثانية التي تبدو لوحة تشكيلها النهائي خليطا (ربما لا يخل من عشوائية) تتجاور فيه شخصيات ممتازة تحظى بثقة واحترام نسبة معقولة من الرأي العام مع وجوه أخرى قديمة متفاوتة القيمة وغير متماثلة في درجات القبول أو الرفض الشعبي، فضلا عن عناصر استجلبت من ظلام المجهول، إذ لم يسمع أحد باسمها قبل إعلان استوزارها.
ومع ذلك فالمشكلة ليست في هذا الخليط والاختلاط، وإنما المشكلة والأزمة الحقيقية ستظهر حتما وبسرعة إذا أعاد الدكتور شرف إنتاج ذلك الاختراع العجيب الذي سبق أن امتطاه سيادته في حكومته الأولى، رغم أن هذا الاختراع كان سمة مميزة لحكومات عصر الأستاذ المخلوع القابع حاليا في شرم الشيخ، أي تلفيق وتفصيل وزارات مستوفية كامل الشكل والديكور السلطوي، من مكاتب فخمة ومرسيدسات سوداء وحراسات تتبختر هنا وهناك، لكنها في المضمون تافهة وبليدة ولا علاقة لها بالسياسة ألبتة، اللهم إلا المشاركة الفعالة في تنفيذ سياسات واستراتيجيات النشل والنهب الوطني العمومي.
لقد بقينا زمنا طال جدا، نكابد ونعاني من كيانات وتوليفات عجيبة ينعتها صناعها بأنها «حكومات»، لكنها عدا الثرثرات الإنشائية المملة محصنة ضد البرامج والخطط الواضحة المعلنة التي تمكن الشعب من معرفة ما إذا كانت هناك ثمة فائدة ستعود عليه من كل هذه المرسيدسات والفخفخات المشتراة من عوائد كده وشقاه، ومن ثم يقرر ويعلن إما قبوله وإما اعتراضه على هذه البرامج، فضلا عن مراقبة تنفيذها.
باختصار، ما تحتاجه حكومة شرف المستعدلة، ليس تلك الطرقعات اللفظية اللطيفة التي تتغزل في مفاتن الثورة العظيمة وشبابها الواعد وأهدافها النبيلة، وإنما الخلطة الوزارية الجديدة في أمس الحاجة، لأن تصنع لنفسها فورا ومن دون إبطاء أو لكاعة، خططا ومهمات توحدها وتجمع شتات مكوناتها وتكون صالحة للعرض على جماهير زهقت وملت وفاض بها الكيل، وهي ترى الوقت الثمين المحدود المخصص لمرحلة انتقالية يفترض أن نعبر عليها من الماضي الأسود إلى المستقبل المشرق، يتسرب ويهدر ويضيع بطريقة عبثية وبغير سبب مشروع أو مفهوم.
إن الخطط والبرامج التي عادة ما تضعها الحكومات في الدنيا كلها وتلزم نفسها بها وتقدمها بشفافية ووضوح إلى الرأي العام، إذا كانت في الأوضاع العادية أمرا لازما يفرضه المنطق والعقل، فإنها في ظروف بلادنا الراهنة ترقى لمستوى ضرورات ومستلزمات التصدي لوضع خطر وشديد الحساسية.. والخطورة هنا حتى لا تطمئن قلوب الحرامية ليس إجهاض الثورة وانتكاسها، فهذا احتمال يلامس حدود الاستحالة بسبب قوة واتساع وعمق الزلزال الثوري الذي ضرب به المصريون بنيان النظام الديكتاتوري الفاسد الذي كان جاسما على صدورنا قبل 25 يناير (فضلا عن يقظتهم ويقظة شبابهم).. الخطر المقصود هو زيادة ثمن الانتقال وتكاليفه وتعطيل (مجرد تعطيل) وإطالة مساحة الزمن الفاصل بين التخلص من ركام وزبالة الماضي والشروع في بناء عصر جديد ينعم فيه هذا الوطن وأهله بالنهوض والتقدم تحت الظلال الناعمة للحرية والعدالة والمساواة وحفظ كرامة الإنسان.
الأهداف والمطالب العاجلة ومستلزمات بناء جسر العبور إلى المستقبل معروفة ومشهورة وغير قابلة للفصال، فعليكم أيها السادة إما أن تطلعونا بسرعة على خطط وأدوات تنفيذها، وإما أن تستعدوا لأزمة واحتقان وعاصفة غضب جديد ستجبركم على تسليم عهدة المرسيدس إلى أقرب نقطة شرطة.. على فكرة، إيه أخبار الشرطة، وإزي صحة حضرتها؟!
by Tahrir News on Tuesday, July 19, 2011 at 9:43am
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق